الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير
وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ، وَأَمَّا جَلَا فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ إنْسَانٌ فِي قول سُحَيْمٍ: وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَمًا لَهُ بَلْ وَصْفٌ حَيْثُ قَالَ جَلَا هُنَا فِعْلُ مَاضٍ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الَّذِي جَلَا: أَيْ أَوْضَحَ وَكَشَفَ.وَأَمَّا قول الْقَلَّاخِ: فَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ عَلَمًا لَقَبًا وَكَوْنُهُ وَصْفًا أَيْضًا، ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي كَشْفِ الشَّدَائِدِ وَإِمَاطَةِ الْمَكَارِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ: يَعْنِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ.فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِلسَّخَاءِ وَالصَّفَاءِ فَيَنْبَغِي فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ، لَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لِمَا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قولهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لَمَّا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ عَنْهُ لَيْسَ غَيْرُ.قولهُ: (وَإِنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا فَالْأَوَّلُ) وَهُوَ تَسْمِيَةُ الْعَمِّ أَبًا لِقولهِ تعالى: {وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ أَيْ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَالثَّانِي لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «الْخَالُ أَبٌ») قَالُوا هُوَ غَرِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لِأَبِي شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعا: «الْخَالُ وَالِدُ مَنْ لَا وَالِدَ لَهُ» (وَالثَّالِثُ لِلتَّرْبِيَةِ) وَقِيلَ فِي قوله تعالى: {إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ.متن الهداية:(وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ وَقَالَ عَنَيْتُ صُعُودَ الْجَبَلِ حُدَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةٌ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ كَمَا يُلَيِّنُ الْمَهْمُوزَ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي أَوْ قَالَ زَنَأْت، وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ لِلْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا، وَقِيلَ يُحَدُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.الشَّرْحُ:(وَمَنْ قَالَ بِغَيْرِهِ زَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ وَقَالَ عَنَيْتُ صَعِدْتَ الْجَبَلَ) وَالْحَالَةُ حَالَةُ الْغَضَبِ وَسَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُرَادٌ لَا يُصَدَّقُ (وَيُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةٌ، قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَالزِّنَا وَإِنْ كَانَ يُهْمَزُ فَيُقَالُ زَنَأَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكِنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُ الصُّعُودَ مُرَادًا.وَقولهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ هُوَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تُرْقِصُ ابْنًا لَهَا: تُرِيدُ عَمَلِي. وَأَمَّا عَلَى قول شَارِحِ إصْلَاحِ الْمَنْطِقِ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ لِرَجُلٍ رَأَى ابْنًا لَهُ تُرْقِصُهُ أُمُّهُ فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهَا وَقَالَ:أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك.......أَشْبِهْ أَخِي أَوْ أَشْبِهَنَّ أَبَاكَا ** أَمَّا أَبِي فَلَنْ تَنَالَ ذَاكَا وَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَفْتُوحَةً الثَّقِيلُ، وَالْوَكِلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قولهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ بِالْجِيمِ، وَقَالَ: هُوَ اسْمُ رَجُلٍ هُوَ أَبُو حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْوَكِلُ الْعِيَالُ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا) عَلَى مَا أَسْلَفْنَا (لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ) أَيْ اللَّيِّنَ فِي غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَقول الْعَجَّاجِ: وَمِنْهُ قولهُ: لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ الْكَسْرِ بِالْهَمْزِ، وَأَمَّا نَحْوُ قَطَعَ اللَّهُ أَدِّيهِ: أَيْ يَدَيْهِ، فَالتَّمْثِيلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَرْفِ اللِّينِ أَوْ الْمُلَيَّنِ حَرْفُ الْعِلَّةِ، لَكِنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى أَنَّهُ حَرْفُ الْعِلَّةِ بِقَيْدِ السُّكُونِ وَقَدْ يَهْمِزُونَ فِي الِالْتِقَاءِ عَلَى حَدِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجَادَّةِ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ، وَقُرِئَ وَلَا الضَّأْلِينَ شَاذًّا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُقَالُ بِمَعْنَى الْفَاحِشَةِ وَبِمَعْنَى الصُّعُودِ، فَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا، وَهَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ إرَادَةُ قَيْدٍ لِلْغَضَبِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ كَمَا لَوْ قَالَ يَا زَانِي أَوْ زَنَأْت فَإِنَّهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا.وَقولهُ (وَذِكْرُ الْجَبَلِ بِعَيْنِ الصُّعُودِ مُرَادًا) قُلْنَا إنَّمَا يُعَيَّنُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى فَيُقَالُ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ.وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِمَّا يُمْنَعُ بَلْ يُقَالُ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ بِمَعْنَى صَعِدْت ذَكَرَهُ فِي الْجَمْهَرَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْبَيْتُ الْمَذْكُورُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ لَيْسَ إلَّا الصُّعُودُ وَهُوَ بِلَفْظَةِ فِي، بَلْ الْجَوَابُ مَنَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُعَيِّنُ الصُّعُودَ فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ قَدْ تَقَعُ فِي الْجَبَلِ: أَيْ فِي بَعْضِ بُطُونِهِ، وَعَلَى الْجَبَلِ: أَيْ فَوْقَهُ، كَمَا قَدْ تَقَعُ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ قَرِينَةً مَانِعَةً مِنْ إرَادَةِ الْفَاحِشَةِ فَبَقِيَ الِاحْتِمَالُ بِحَالِهِ وَتَرَجَّحَ إرَادَةُ الْفَاحِشَةِ بِقَرِينَةِ حَالِ السِّبَابِ وَالْمُخَاصَمَةِ (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ) وَالْبَاقِي بِحَالِهِ: أَيْ فِي حَالِ الْغَضَبِ (قِيلَ لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا) آنِفًا إنْ ذَكَرَ لَفْظَةَ: عَلَى. تَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الصُّعُودَ.(وَقِيلَ يُحَدُّ) لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ حَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَهُوَ الْأَوْجُهُ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ تَقْيِيدِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بِحَالَةِ الْغَضَبِ أَنَّ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذْ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ بَلْ لَا دَاعِيَ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ إرَادَةِ السَّبِّ.متن الهداية:(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهَا الْغَلَطُ فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ مَذْكُورًا فِي الثَّانِي.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا بَلْ أَنْتَ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ) إذَا طَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ، وَإِذَا طَالَبَ كُلٌّ الْآخَرَ وَأَثْبَتَ مَا طَلَبَ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ فَلَا يَتَمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إسْقَاطِهِ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلْآخَرِ فَتَسَاقَطَا، أَمَّا كَوْنُ الْأَوَّلِ قَاذِفًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمُجِيبُ عَبْدًا حُدَّ هُوَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِقولهِ بَلْ أَنْتَ وَالْحُرُّ وَإِنْ كَانَ قَاذِفًا أَيْضًا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ.قَالَ الْمُصَنِّفُ (إذْ هِيَ) يَعْنِي بَلْ (كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهَا الْغَلَطُ) يَعْنِي فِي التَّرَاكِيبِ الِاسْتِعْمَالِيَّة (فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ خَبَرِيًّا (مَذْكُورًا فِي الثَّانِي) فَإِذَا قَالَ زَيْدٌ قَامَ أَوْ قَامَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو فَقَدْ وَضَعَ عَمْرًا فِي التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ مَوْضِعَ زَيْدٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمُتَأَخِّرُ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ خَبَرًا عَنْهُ وَلَمْ يُرِدْ بِالْأَوَّلِ لَفْظَ يَا زَانِي بَلْ هُوَ إعْطَاءُ النَّظِيرِ مَعْنًى: أَيْ هِيَ كَمَا ذَكَرْنَا.وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ وَاصِفًا لِلْمُتَكَلِّمِ الْأَوَّلِ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِهِ مَعْنًى لِأَنَّ يَا زَانِي فِي مَعْنَى أَدْعُوك وَأَنْتَ زَانٍ.متن الهداية:(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا الْحَدَّ، وَفِي الْبَدَاءَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) مَعْنَاهُ قَالَتْ بَعْدَمَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَانْعِدَامِهِ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك.وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا فَجَاءَ مَا قُلْنَا.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ، حُدَّتْ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً) إذَا تَرَافَعَا (وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا إيَّاهُ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّيْنِ إذَا اجْتَمَعَا وَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَاللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَبِتَقْدِيمِ حَدِّ الْمَرْأَةِ يَبْطُلُ اللِّعَانُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَحْدُودَةً، فِي قَذْفٍ، وَاللِّعَانُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمَحْدُودَةِ فِي الْقَذْفِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَبِتَقْدِيمِ اللِّعَانِ لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجْرِي عَلَى الْمُلَاعَنَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَخَاصَمَتْهُ الْأُمُّ فَحُدَّ سَقَطَ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ، فَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا لَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، فَإِذَا خَاصَمَتْ الْأُمُّ بَعْدَهُ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَقَدَّمْنَا الْحَدَّ دَرْءًا لِلِّعَانِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَاهُ (وَلَوْ) كَانَتْ (قَالَتْ) فِي جَوَابِ قولهِ يَا زَانِيَةً (زَنَيْت بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ) فَتَكُونُ قَدْ صَدَقَتْ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الزِّنَا فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ وَقَذَفَتْهُ حَيْثُ نَسَبَتْهُ إلَى الزِّنَا وَلَمْ يُصَدِّقْهَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قولهِ (وَانْعِدَامُهُ مِنْهُ) أَيْ انْعِدَامُ التَّصْدِيقِ مِنْهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ (وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مِنْ تَمْكِينِي إيَّاكَ بَعْدَ النِّكَاحِ) وَهَذَا كَلَامٌ يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْعَادَةِ مَجْرَى مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ مِثْلُ قولهِ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، فَإِنَّ فِعْلَهَا مَعَهُ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ زِنًا، كَمَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ سَيِّئَةً وَلَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُهُ لِلْمُشَاكَلَةِ حِينَ ذُكِرَ مَعَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ هَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ، وَيَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَ زَوْجَتَهُ، فَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ، وَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ، وَالْحُكْمُ بِتَعَيُّنِ أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ بِعَيْنِهِ مُتَعَذِّرٌ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي كُلٍّ مِنْ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ، وَهَذَا مَعْنَى قولهِ (فَجَاءَ مَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ.وَلَوْلَا أَنَّ مِثْلَ قولهَا مَعْلُومُ الْوُقُوعِ مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَصْدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ إيَّاهَا بِالْإِغَاظَةِ لَوَجَبَ حَدُّهَا أَلْبَتَّةَ عَيْنًا بِقَذْفِهَا إيَّاهُ.إذْ النِّسْبَةُ إلَى الزِّنَا تَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ تَحْلِفَ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا وَلَمْ تُرِدْ قَذْفَهُ وَيَكْتَفِي بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي وَجْهٍ، وَعَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ دُونَهَا لِأَنَّ هَذَا مِنْهَا لَيْسَ إقْرَارًا صَحِيحًا بِالزِّنَا.وَبِقولنَا قَالَ أَحْمَدُ.وَلَوْ ابْتَدَأَتْ الزَّوْجَةُ فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا زَنَيْت بِكَ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ.وَهَذَا ظَاهِرٌ.متن الهداية:(وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ) لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيُلَاعَنُ (وَإِنْ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةَ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ.فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ، وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي اللِّعَانِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ) فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ (وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ فَإِنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا لِزَوْجَتِهِ فَيُلَاعَنُ) وَإِنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ بِنَفْيِهِ لِلْوَلَدِ (لِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةَ التَّكَاذُبِ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي زِنَا الزَّوْجَةِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي اللِّعَانِ مَا هُوَ إلَّا (حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّهُ قَذَفَهَا (فَإِذَا بَطَلَ) الْحَلِفُ بِبُطْلَانِ (التَّكَاذُبِ صُيِّرَ إلَى الْأَصْلِ) فَيُحَدُّ الرَّجُلُ.وَقولهُ (وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي اللِّعَانِ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي حَدَّهُ الْقَاضِي وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ.وَقولهُ (وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَلَدِ ثُمَّ نَفَاهُ وَمَا إذَا نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا) فَيَثْبُتُ وَلَا يَنْتَفِي بِمَا بَعْدَهُ (أَوْ لَاحِقًا) فِي الثَّانِيَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ.وَقولهُ (وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ لَيْسَ إلَّا نَفْيَ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يُنْفَ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ قَطْعُ النَّسَبِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ بَعْدَ أَنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُقْطَعُ النَّسَبُ (كَمَا يَصِحُّ بِلَا وَلَدٍ) أَصْلًا بِأَنْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَلَا وَلَدَ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا وَلَدَ هُنَاكَ يُقْطَعُ نَسَبُهُ، وَأَمَّا إنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْآيِسَةِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي النَّسَبُ فَيَثْبُتُ انْفِكَاكُ اللِّعَانِ عَنْ قَطْعِ النَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْجَوَابِ.قولهُ: (وَإِنْ قَالَ) أَيْ الزَّوْجُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ (لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ) إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ ابْنُهَا (أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ) فَكَانَ نَفْيُ كَوْنِهِ ابْنَهُ لِنَفْيِ وِلَادَتِهَا إيَّاهُ.وَبِنَفْيِ وِلَادَتِهَا لَا يَصِيرُ قَاذِفًا لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلزِّنَا مِنْهَا.متن الهداية:(وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ أَبٌ أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ (وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ أَبٌ أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ) وَقْتَ الْقَذْفِ أَوْ مَيِّتٌ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ).أَمَّا لَوْ قَذَفَ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ادَّعَى الْوَلَدَ فَحُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى مَاتَ فَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ فَقَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَاذِفٌ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ قَبْلَ مَوْتِهِ حُدَّ، وَلَا يُحَدُّ الَّذِي قَذَفَهَا قَبْلَ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُحَدُّ.وَمَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي، وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَرَافَعَتْهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ وَجْهِ عَدَمِ الْحَدِّ فِي ذَاتِ الْأَوْلَادِ قِيَامُ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا: أَيْ إلَى الْإِمَارَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْعِفَّةُ (شَرْطٌ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ قوله: «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدَّعِيَ وَلَدَهَا لِأَبٍ وَلَا يَرْمِيَ وَلَدَهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ»، وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ» أَشْكَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا قَذْفَ الْمُلَاعَنَةِ بِوَلَدٍ كَقَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا وَلَدٍ (وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ) بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا وَثُبُوتِ أَمَارَتِهِ.فَإِنْ قِيلَ: اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا فَكَانَتْ كَالْمَحْدُودَةِ بِالزِّنَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا.أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّهِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا حَتَّى قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ لَا يُحَدُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُحَدَّ الزَّوْجُ لَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ اللِّعَانِ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُحَدُّ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا بِوَجْهٍ.وَقولهُمْ اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَجُعِلَ اللِّعَانُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزِّنَا عَلَيْهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِهِ لِيَسْقُطَ إحْصَانُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِيَشْتَفِيَ الصَّادِقُ مِنْهُمَا حَيْثُ يَتَضَاعَفُ بِهِ عَلَى الْكَاذِبِ عَذَابُهُ بِأَنْ يُضَافَ إلَى عَذَابِ الزِّنَا عَذَابُ الشَّهَادَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْأَيْمَانِ الْغَمُوسَةِ، أَوْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى عَذَابِ الِافْتِرَاءِ وَالْقَذْفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِنَفْيِ الْوَلَدَ لِأَنَّ أَمَارَةَ الزِّنَا قَائِمَةٌ فَأَوْجَبَتْ ذَلِكَ، وَقَدْ أُوِّلَ قولهُمْ بِمَا لَا يَشْرَحُ صَدْرًا وَلَا يَرْفَعُ إصْرًا، فَالْحَقُّ أَنَّ كَوْنَهُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْجَانِبُ الْآخَرُ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لَا يَرْتَفِعُ، وَوُرُودُ السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا وُرُودَ لَهُ.متن الهداية:فَقَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ، وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ (وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهَ الْحَدُّ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ) شَبَّهَهُ بِالشَّرْطِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ الْإِحْصَانُ بَلْ هُوَ مَجْمُوعُ أُمُورٍ الْعِفَّةُ أَحَدُهَا فَهُوَ جُزْءُ مَفْهُومِ الْإِحْصَانِ بِالْحَقِيقَةِ (وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ زِنًا كَذَا قِيلَ، وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ أَبْهَمَ، أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِيهِ فَيُحَدُّ، وَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَنْصُوصُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَانِيًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَذَفَ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِزِنًا آخَرَ أَوْ أَبْهَمَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِإِبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.وَجْهُ قولنَا أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ وَبِالزِّنَا لَا يَبْقَى الْإِحْصَانُ فَرَمْيُهُ رَمْيُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ وَأَذًى بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ (وَالْأَصْلُ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي لَا يُسْقِطُهُ (أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ) عَلَى قَاذِفِهِ (لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ) فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ كَانَ زَانِيًا فَيُصَدَّقُ قَاذِفُهُ فَلَا يَكُونُ فِرْيَةً وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَإِنْ كَانَ) وَطِئَ وَطْئًا (مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ) قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لَيْسَ بِزِنًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمُحَرَّمُ (لِعَيْنِهِ) هُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ.وَأَعْنِي أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا.فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ.وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ (أَوْ مِنْ وَجْهٍ) كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ.وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَوَطْءِ أَمَتَيْهِ الْأُخْتَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ) فِي ثُبُوتِ حَدِّ الْقَاذِفِ لِلْوَاطِئِ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ (كَوْنَ تِلْكَ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عُقْدَةٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ فَوَطِئَ الْأَمَةَ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ بِحَيْثُ انْتَشَرَ مَعَهُ ذَكَرُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا حُدَّ قَاذِفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلِاخْتِلَافِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَزْنِيَّةَ أَبِيهِ فَوَطِئَهَا فَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِأَنْ ثَبَتَتْ بِقِيَاسٍ أَوْ احْتِيَاطٍ كَثُبُوتِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ، لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِإِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبِّبِ احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَكَذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مُسْقِطٌ لِلْإِحْصَانِ.وَقولهُ (أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) مِثَالُهُ حُرْمَةُ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ لِلْأَبِ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الِابْنِ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ شُهْرَةِ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَلِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.وَحُرْمَةُ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ خَالَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّتُهُ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ».قولهُ: (بَيَانُهُ) شُرُوعٌ فِي تَفْرِيعِ فُرُوعٍ أُخْرَى عَلَى الْأَصْلِ (إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ) فَالْقَاذِفُ صَادِقٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْمُقَارِنَةِ لِثُبُوتِ الْمُوجِبِ.بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لَا يُعْمَلُ هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَارِنْهُ بَلْ وَقَعَ مُتَأَخِّرًا.وَالْفَرْضُ أَنَّ بِالْإِقْرَارِ تَقَرَّرَ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ تَعْمَلُ الشُّبْهَةُ اللَّاحِقَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ اللَّاحِقَةَ بَعْدَ تَقَرُّرِ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَا تَرْفَعُهُ.فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الرُّجُوعُ عَامِلًا فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ.قولهُ: (وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) أَوْ رَجُلًا زَنَا فِي نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَالْمُرَادُ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ كَافِرَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ زَنَيْتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ لَا يُحَدُّ، كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ كِتَابِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْ حَدُّهُ، لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ الْجَلْدُ عَلَيْهِ حَدًّا، بِخِلَافِ الرَّجْمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعَبْدُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ بِحَيْثُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ لَا، حَتَّى إنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا تَحَقَّقَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَكُونُ قَاذِفُهُ صَادِقًا.وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ بِالْإِسْلَامِ الْإِثْمُ دُونَ حَقِيقَةِ الزِّنَا.متن الهداية:(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قول زُفَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ، وَنَحْنُ نَقول مِلْكُ الذَّاتِ بَاقٍ وَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ.الشَّرْحُ:(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ) أَوْ مُزَوَّجَةٌ أَوْ الْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ أَمَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ مُظَاهِرٌ مِنْهَا أَوْ صَائِمَةٌ صَوْمَ فَرْضٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَوْمِهَا (أَوْ مُكَاتَبَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (لِأَنَّ الْحُرْمَةَ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ (مُؤَقَّتَةٌ) مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ فِيهَا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا، لِأَنَّ الزِّنَا مَا كَانَ بِلَا مِلْكٍ قَالَ تعالى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قول زُفَرَ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْعُقْرُ) لَهَا، وَلَوْ بَقِيَ الْمِلْكُ شَرْعًا مِنْ وَجْهٍ لِمَا لَزِمَهُ وَإِنْ حَرُمَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ، وَنَحْنُ نَقول: إنْ قُلْتُمْ إنَّ مِلْكَ الذَّاتِ انْتَفَى مِنْ وَجْهٍ كَالْمُشْتَرَكَةِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَطْءِ انْتَفَى سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحَدِّ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ، وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْإِحْصَانِ كَالرَّاهِنِ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ وَهِيَ بِكْرٌ يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ.ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ (وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ.الشَّرْحُ:(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَبَّدَةٌ) وَقولهُ (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ يَقول بِوَطْئِهَا لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ، وَهُوَ قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ.وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَكَانَتْ مُؤَقَّتَةً، أَمَّا حُرْمَةُ الرَّضَاعِ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ أَصْلًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ لِغَيْرِهِ.قولهُ: (وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ) فِي شَرْطِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْإِحْصَانُ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي إحْصَانِهِ، وَبِهِ يَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ الْإِحْصَانِ.متن الهداية:(وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ بِالْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ إلَخْ) يَعْنِي وَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ بِنْتِهِ (ثُمَّ أَسْلَمَ) فَفُسِخَ نِكَاحُهُمَا فَقَذَفَهُ مُسْلِمٌ فِي حَالِ إسْلَامِهِ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: لَا يُحَدُّ) بِنَاءً عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ، وَقولهُمَا قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ.متن الهداية:(وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ) لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَيَكُونَ مُلْتَزَمًا أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُ أَذَاهُ الْحَدُّ (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي قَذْفٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ إذَا تَابَ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ (وَإِذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) لِأَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لَحَدِّهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الرَّدِّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فِي حَالِ الرِّقِّ فَكَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ.(وَإِنْ ضُرِبَ سَوْطًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُتَمِّمٌ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ وَالْمُقَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْضُ الْحَدِّ فَلَا يَكُونُ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لَهُ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَيَكُونَ مُلْتَزِمًا بِالضَّرُورَةِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ طَمِعَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَكَانَ مُلْتَزِمًا مُوجِبَ أَذَاهُ وَهُوَ الْحَدُّ.قولهُ: (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي قَذْفٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) عِنْدَنَا لِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ عِنْدَنَا مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعِنْدَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ كَالتَّائِبِ مِنْ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي (وَهِيَ) خِلَافِيَّةٌ (تُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.قولهُ: (وَإِذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ عَلَى جِنْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ عِنْدَنَا، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ حَدِّ الْقَذْفِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ (فَإِذَا أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الرَّدِّ) لِأَنَّ النَّصَّ يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ الْقَائِمَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَيْسَتْ فِيهِ تِلْكَ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ الْمَحْدُودُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ أَبَدًا، وَالرِّدَّةُ مَا زَادَتْهُ إلَّا شَرًّا فَبِالْإِسْلَامِ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ شَهَادَةٌ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَلِهَذَا قُبِلَتْ مُطْلَقًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَيْرِهِمْ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَهُ وَقَدْ رُدَّتْ بِالْقَذْفِ.قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ أُخْرَى نَافِذَةٌ عَلَى الْكُلِّ لَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِتَبَعِيَّتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ فَقَطْ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِلرِّقِّ وَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَعَ الْجَلْدِ فَيَنْصَرِفُ إلَى رَدِّ مَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقول: إنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ عَدَمُ قَبُولِ كُلِّ شَهَادَةٍ لَهُ حَادِثَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} وَالْحَادِثَةُ شَهَادَةٌ وَاقِعَةٌ فِي الْآبَادِ فَمُقْتَضَى النَّصِّ رَدُّهَا.وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا فِي الْوُسْعِ فَحِينَئِذٍ كُلِّفَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ، وَالِامْتِثَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فِيمَا يُحْدِثُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ شَهَادَةٌ قَائِمَةٌ فَرُدَّتْ تَحَقَّقَ الِامْتِثَالُ وَتَمَّ، فَلَوْ حَدَثَتْ أُخْرَى فَلَوْ رُدَّتْ كَانَ بِلَا مُقْتَضٍ إذْ الْمُوجَبُ أَخْذُ مُقْتَضَاهُ.قولهُ: (وَإِنْ ضُرِبَ) يَعْنِي الْكَافِرَ (سَوْطًا فِي) حَدِّ (قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُتَمِّمٌ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ) أَيْ لِلْحَدِّ (وَالْمَقَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْضُ الْحَدِّ) وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَلَمْ يَكُنْ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لَهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِمَا ذَكَرْنَا وَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأُقِيمَ الْبَاقِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْمُقَامَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْضُ الْحَدِّ كَذَلِكَ الْمُقَامُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صِفَةً، وَأَيْضًا جَعْلُهُ صِفَةً لِمَا أُقِيمَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْلَى لَمَّا أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْوَصْفِ الْآخَرِ.أُجِيبَ بِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِالْجَلْدِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ فَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُمْكِنُ، وَالْمُمْكِنُ رَدُّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ لِلْحَالِ فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى قولهِ صِفَةً لَهُ بَلْ هُوَ تَقْرِيرٌ آخَرُ.وَأَصْلُ هَذَا مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ قَالَ: لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ إذَا كَانَ عَدْلًا، ثُمَّ قَالَ وَالْحَدُّ لَا يَتَجَزَّأُ فَمَا دُونَهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا، وَالتَّعْزِيرُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلشَّهَادَةِ، قَالَ:وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قولهُمَا، وَالثَّانِيَةُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالثَّالِثَةُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا سَقَطَتْ، قَالَ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ فِي النَّصْرَانِيِّ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.متن الهداية:قَالَ: (وَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَشَرِبَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَدَاخَلُ.وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اخْتَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَهُوَ الزِّنَا لَا يَتَدَاخَلُ، لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ) سَوَاءٌ قَذَفَ وَاحِدًا مِرَارًا أَوْ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ كَقولهِ أَنْتُمْ زُنَاةٌ أَوْ بِكَلِمَاتٍ كَأَنْ يَقول يَا فُلَانُ أَنْتَ زَانٍ وَفُلَانٌ زَانٍ حَتَّى إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَادَّعَى وَحُدَّ لِذَلِكَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ فَادَّعَى أَنَّهُ قَذَفَهُ لَا يُقَامُ إذَا كَانَ بِقَذْفٍ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ، لِأَنَّ حُضُورَ بَعْضِهِمْ لِلْخُصُومَةِ كَحُضُورِ كُلِّهِمْ فَلَا يُحَدُّ ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ بِقَذْفٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ.وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَمِعَ مَنْ يَقول لِشَخْصٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَحَدَّهُ حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ: يَا لَلْعَجَبِ لِقَاضِي بَلَدِنَا أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ: أَخَذَهُ بِدُونِ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ.وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ.وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ حَدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَبَّصَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يَخِفَّ أَثَرُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ.الرَّابِعُ: ضَرَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْخَامِسُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّفَ أَنَّ وَالِدَيْهِ فِي الْأَحْيَاءِ أَوْ لَا.فَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ فَالْخُصُومَةُ لَهُمَا وَإِلَّا فَالْخُصُومَةُ لِلِابْنِ.وَمِنْ فُرُوعِ التَّدَاخُلِ أَنَّهُ لَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ قَذْفًا آخَرَ لَا يُضْرَبُ إلَّا ذَلِكَ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لِلتَّدَاخُلِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْحَدَّانِ، لِأَنَّ كَمَالَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ بِالسَّوْطِ الَّذِي بَقِيَ، وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ أَيْضًا فِي فُرُوعٍ نَخْتِمُ بِهَا.وَقولهُ (غَيْرَ مَرَّةٍ) يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ: أَيْ مَنْ زَنَى غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ شَرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ مَرَّةً فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَذْفَ جَمَاعَةٍ بِكَلِمَةٍ فَكَذَلِكَ فِي قول وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ أَوْ قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّاتٍ بِزِنًا آخَرَ يَجِبُ لِكُلِّ قَذْفٍ حَدٌّ.وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ وَلَا تَفْصِيلَ بَلْ لَا تَعَدُّدَ كَيْفَمَا كَانَ، وَبِقولنَا قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ وَطَاوُسٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ كَقول الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَاحْتَجَّا بِأَنَّ مُقْتَضَى الْآيَةِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُشْعِرِ بِالْعِلِّيَّةِ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ.وَفِي الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلُ وَلَوْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَنَا مَا ذَكَرَ مِنْ قولهِ (أَمَّا الْأَوَّلَانِ) وَهُوَ كُلٌّ مِنْ الزِّنَا وَالشُّرْبِ (فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ) عَنْ فِعْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ) بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ الْمُقَامِ بَعْدَ الزِّنَا الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُ وَالشُّرْبِ الْمُتَعَدِّدِ (قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى يَجِبُ حَدٌّ آخَرُ لِتَيَقُّنِنَا بِعَدَمِ انْزِجَارِهِ بِالْأَوَّلِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا كَانَ عَلَى دَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ كَانَ مُقَيَّدًا لِمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّكْرَارِ عِنْدَ التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، بَلْ هَذَا ضَرُورِيٌّ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِقَامَةِ فِي قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ} الْأَئِمَّةُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ هَذَا الْخِطَابُ إلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُمْ فَكَانَ حَاصِلُ النَّصِّ إيجَابَ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ بِوَصْفِ الْكَثْرَةِ أَوْ الْقِلَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَثِيرًا كَانَ مُوجِبًا لِجَلْدِ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِينَ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا جُلِدَ ذَلِكَ وَقَعَ الِامْتِثَالُ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا تَرَكَ مُقْتَضَى التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ فِيمَا إذَا قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا بِذَلِكَ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحِدُّهُ مَرَّتَيْنِ، وَفِي حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ بِالْآيَةِ لَا يُخَلِّصُهُ فَإِنَّهُ يُلْجِئُ إلَى تَرْكِ مِثْلِهَا مِنْ آيَةِ حَدِّ الزِّنَا فَيَعُودُ إلَى أَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَكَانَ الْمَبْنِيُّ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ آدَمِيٍّ، فَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَخْصَرُ وَأَصْوَبُ.وَقولهُ (وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِمَا) لَا حَاجَةَ إلَى إلْحَاقِهِ، بَلْ عَيْنُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ حَدٌّ شُرِعَ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ عَنْ الْأَعْرَاضِ، فَحَيْثُ أُقِيمَ ثَبَتَتْ شُبْهَةٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي الْخُصُومَةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ لَيْسَ غَيْرُ.قولهُ: (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ وَسَرَقَ) ثُمَّ أَخَذَ يَعْنِي الْأَسْبَابَ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَيْثُ تَجِبُ الْحُدُودُ الْمُخْتَلِفَةُ كُلُّهَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ صِيَانَةُ الْعُقول، وَمِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ، وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ، وَثَبَتَ كُلٌّ بِخِطَابٍ يَخُصُّهُ، فَلَوْ حَدَدْنَا فِي الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ حَدًّا وَاحِدًا عَطَّلْنَا نَصًّا مِنْ النُّصُوصِ عَنْ مُوجِبِهِ.فُرُوعٌ:ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالشُّرْبَ وَالْقَذْفَ وَفَقْءَ عَيْنِ رَجُلٍ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إذَا بَرِئَ أَخْرَجَهُ فَحَدَّهُ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّهِ، فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ كُلًّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصٍّ يُتْلَى، وَيَجْعَلُ حَدَّ الشُّرْبِ آخِرَهَا فَإِنَّهُ أَضْعَفُ لِأَنَّهُ بِمَا لَا يُتْلَى، وَتَقَدَّمَ قول عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ» وَكُلَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا حَبَسَهُ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ رُبَّمَا يَهْرَبُ فَيَصِيرُ الْإِمَامُ مُضَيِّعًا لِلْحُدُودِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَضَرَبَهُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ رَجَمَهُ، لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا قَتْلُ نَفْسٍ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ. هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ.وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا دُونَهُ لَا يُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ لَوْ أَتْلَفَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ فَيُؤْمَرُ بِإِيفَائِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قَوَدٌ وَلَا تَعْزِيرٌ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقَامَ بِحَضْرَتِهِ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْغَامِدِيَّةِ، أَوْ يَبْعَثُ أَمِينًا كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَاعِزٍ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ فِي الْقَذْفِ إذَا أَنْكَرَهُ.وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا بَذْلٌ وَالْبَذْلُ لَا يَكُونُ فِي الْحُدُودِ أَوْ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ، وَالْحَدُّ لَا يُقَامُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ عَلَى سَبَبِهِمَا، وَيَسْتَحْلِفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السَّرِقَةِ أَخْذُ الْمَالِ بِقَيْدٍ فَيَحْلِفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ لَا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ، وَعِنْدَ نُكُولِهِ يَقْضِي بِمُوجَبِ الْأَخْذِ وَهُوَ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْأَخْذُ فَيَضْمَنُ وَلَا يُقْطَعُ، وَإِذَا أَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً بِالْقَذْفِ سَأَلَهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِغَيْرِ الزِّنَا قَدْ يَظُنُّونَهُ قَذْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى قولهِمْ قَذَفَهُ لَا يُحَدُّ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي وَهُمْ عُدُولٌ حُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ حَبَسَ الْقَاذِفَ حَتَّى يُزَكُّوا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ أَعْرَاضٍ فِي النَّاسِ فَيُحْبَسُ فِي هَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا يَكْفُلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا تَكَفُّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيلَ بِنَفْسِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي إيفَائِهِمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْكَفَالَةِ إقَامَةُ الْكَفِيلِ مُقَامَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي الْإِيفَاءِ.وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ.فَأَمَّا أَخْذُ الْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَعَمَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلَازِمُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ.وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَا: حَدُّ الْقَذْفِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ مِثْلُ حُقُوقِ الْعِبَادِ.وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي مِنْ حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ الْخَصْمِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقول: هَذَا احْتِيَاطٌ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا لَا فِي إثْبَاتِهَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقول: مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَالْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهَذَا الْقَدْرِ، فَأَمَّا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ أَحَدًا وَلَا يُلَازِمُهُ إلَّا إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ حَبَسَهُ إذَا قَالَ إنَّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً هَذَا الْمِقْدَارُ اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ، وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ.وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَذْفِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، فَمَا لَمْ يَتَّفِقْ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ لَا يُقْضَى بِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي إقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ وَإِنْشَائِهِ لَهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقول: الْقَذْفُ قول قَدْ يُكَرَّرُ فَيَكُونُ حُكْمُ الثَّانِي حُكْمَ الْأَوَّلِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ، إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ هُنَاكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ قَذَفَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَذَفَهَا فِي الْحَالِ كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ اللُّغَةِ يَتَمَكَّنُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّرَاحَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْآخَرَ لَسْت لِأَبِيك، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يُحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ الْقَذْفِ كِتَابُ الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ.وَلَوْ قَالَ الْقَاذِفُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَذْفِ عِنْدَ الْقَاضِي عِنْدِي بَيِّنَةٌ تُصَدِّقُ قولي أُجِّلَ مِقْدَارَ قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَ عَنْهُ وَيُقَالُ لَهُ ابْعَثْ إلَى شُهُودِك.وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ أُطْلِقَ عَنْهُ وَبَعَثَ مَعَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ شُرَطِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ.وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى هَذَا لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَدَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِتَأْخِيرِ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَإِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَلِيلٌ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ كَالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَأْنَى بِهِ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ وَالْعَجْزُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِمْهَالِ، كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى طَعْنًا فِي الشُّهُودِ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي.وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ، فَلَوْ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ حُدَّ هُوَ وَالثَّلَاثَةُ، قَالَ تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ وَعَنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقْرَارِ إسْقَاطُ الْحَدِّ لَا إقَامَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ وَلَوْ كَثُرَتْ الشُّهُودُ، وَلَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ ارْتَدَّ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَكَذَا إذَا خَرِسَ أَوْ عَتِهَ وَلَكِنْ لَا لِزَوَالِ إحْصَانِهِ بَلْ لِتَمَكُّنِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا صَدَّقَهُ، وَلَا يُلَقِّنُ الْقَاضِي لِلشُّهُودِ مَا تَتِمُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ فِي الْحُدُودِ.(جِنْسٌ آخَرُ) تَقَدَّمَ أَنَّ قولهُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ الْمَبْسُوطِ.وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ قَالَ: أَنْتِ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ.وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ.وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ مَا رَأَيْت زَانِيَةً خَيْرًا مِنْك لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ وَطِئَكِ فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ فَجَرَ بِكَ أَوْ جَامَعَك حَرَامًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّك زَانٍ أَوْ أُشْهِدْتُ عَلَى ذَلِكَ.وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك يَكُونُ قَاذِفًا لَهُمَا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ لَا مَعِيَّةَ حَالَ الزِّنَا فَانْصَرَفَ إلَى مَعِيَّةِ الْفِعْلِ دُونَ الْحُضُورِ، وَمَنْ قَالَ لَسْت لِأَبَوَيْك لَا يَكُونُ قَاذِفًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَسْت لِإِنْسَانٍ لَسْت لِرَجُلٍ لَيْسَ قَذْفًا.رَجُلٌ قَذَفَ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ حُدَّ.قَالَ لِرَجُلٍ قُلْ لِفُلَانٍ يَا زَانِي فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ فُلَانٌ يَقول لَك يَا زَانِي لَا حَدَّ عَلَى الرَّسُولِ وَلَا عَلَى الْمُرْسِلِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا زَانِي حُدَّ الرَّسُولُ خَاصَّةً.وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتَةً فَصَدَّقَهُ ابْنُهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِقَذْفِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَائِكِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَلَطُّفٌ.وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ.وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: رَجُلٌ قَالَ فِي مَيِّتٍ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ وَلَمْ يَزْنِ فَقَالَ أحرجه كُرْده سِتّ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِشَارَةٍ إلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ.وَلَوْ قَالَ أَيْنَ حمه كُرْده سِتّ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ.وَلَوْ قَالَ وَلَا أَيْنَ حمه كُرْده است يَكُونُ قَذْفًا، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ فِعْلُ الْكُلِّ.وَمَعْنَى الثَّانِي فِعْلُ هَذِهِ كُلِّهَا.وَمَعْنَى الثَّالِثِ هُوَ فِعْلُ هَذِهِ كُلِّهَا.وَفِي الْفَتَاوَى: قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَحَدُكُمَا زَانٍ، فَقَالَ لَهُ هَذَا هُوَ لِأَحَدِهِمَا فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَذْفِ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا.وَلَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ كُلُّكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُسْتَثْنَى.وَمِنْ فُرُوعِ تَدَاخُلِ حَدِّ الْقَذْفِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: عَبْدٌ قَذَفَ حُرًّا فَأَعْتَقَ فَقَذَفَ آخَرَ فَاجْتَمَعَا ضُرِبَ ثَمَانِينَ، وَلَوْ قَذَفَ الْأَوَّلَ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ الْآخَرُ تَمَّمَ لَهُ الثَّمَانِينَ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَ لَهُمَا يَبْقَى الْبَاقِي أَرْبَعِينَ، وَلَوْ قَذَفَ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الثَّانِي تَكُونُ الثَّمَانُونَ لَهُمَا جَمِيعًا، وَلَا يُضْرَبُ ثَمَانِينَ مُسْتَأْنَفًا لِأَنَّ مَا بَقِيَ تَمَامُهُ حَدُّ الْأَحْرَارِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَهَذَا مَا وَعَدْنَاهُ.وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا رُوسِيَّ يُحَدُّ.وَلَوْ قَالَ يَا قَحْبَةَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.
|